أخبار السيسي "السارة" لن تسره
بشر السيسى الشعب يوم الاثنين الماضي، في جلسة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، أن الأيام المقبلة سوف تحمل أخباراً سارة. وشدد في هذا السياق على أن "الإشكالية تكمن في ما إذا كان الرأي العام لديه الاستعداد، أو قدر من المعرفة لقبول الإجراءات التي قد تكون صعبة أو قاسية." نحن إذن أمام تصريح يبدو متناقضاً مع نفسه؛ يخص إجراءات ستكون صعبة وقاسية لكنها سوف تبعث السرور في قلوب المواطنين.
يبدو أن هذه هي طريقة السيسي لتقديم حزمة الإجراءات الاقتصادية "القاسية" التي يجري التخطيط لتنفيذها وتهيئة الرأي العام لقبولها منذ شهور، وأن عوامل لا نعلمها عززت لدى السيسي القناعة بأن تقديمها على هذا النحو من التناقض ربما يخفف من حدتها أو يدفع الناس إلى تقبلها.
كما أكد السيسي في نفس الحوار على أن "تَحسُب المسؤولين من ردود أفعال الرأي العام فى الماضى ساهم فى تأخر اتخاذ العديد من الإجراءات،" التي يراها ضرورية، وفي ذلك إعلان ضمني عن أنه لا ينوي ارتكاب خطيئة "التَحسُب" المذكورة.
وبعد إعداد المسرح بهذا الشكل انتقل إلى تبشير الحاضرين بأن الدولة بصدد "معالجة للدعم دون أن تطال محدودي الدخل" في خلال أيام، وهو تصريح يخص إجراءات قاسية دون شك، لكن علينا أن ننتظر لنرى إذا ما كانت سوف تثير سرور أحد.
1. السيسي يودع الطبقة الوسطى
من الواضح أن تصريح السيسي عن "معالجة" الدعم يستهدف تهيئة الرأي العام لما سيحدثه تسريع وتيرة خطة "الإصلاح الاقتصادي" -بما تشتمل عليه من تقليل دعم الكهرباء والمحروقات وفرض ضريبة القيمة المضافة وقانون الخدمة المدنية إلى آخر ذلك- من عصف بمقدرات الطبقتين الوسطى والعاملة.
يكشف مصطلح "لن تطال محدودي الدخل" أن الدولة تظن أن هذه الفئة هي محرك الثورات أو "القلاقل،" وذلك قياساً على استحضاره لمفهوم "تَحسُب ردود الأفعال." من هنا يبدو أن هذا التصريح ينطلق من منطلق أن الطبقتين الوسطى والعاملة أقل قدرة على تحدي هذه السياسات من "محدودي الدخل."
برهنت الأيام على خطأ هذا التصور الدارج أكثر من مرة. وكشفت ثورة يناير أن الطبقتين الوسطى والعاملة هما أهم عناصر الحراك السياسي في البلاد، بالإضافة إلى فئة الشباب من مختلف الطبقات. أما الفقراء فهم عادة ما لا يقومون بثورات "جياع" كما يشاع بقدر ما يقومون بهبات وانتفاضات قد تكون كبيرة لكنها عادة ما تتشكل في حدود قدرة النظام على التصدي لها واستيعابها لأسباب يطول شرحها.
المفارقة هي أن ما يقوله السيسي بشأن "محدودي الدخل" غير وارد أصلاً، حيث لا يوجد أي سبيل إلى تخفيف حدة التأثير السلبي لرفع سعر المحروقات على "محدودي الدخل" وكذلك ضريبة القيمة المضافة، وخفض قيمة الجنيه، أو حتى خفض تأثير رفع سعر الكهرباء عليهم بعد أن تم تحديد الشرائح المعفاة من الزيادة بما يشمل فقط جزءاً من هذه الفئة. على العكس، المؤكد هو أن هذه الفئة تعاني الآن معاناة كبيرة لتوفير الحد الأدنى من احتياجاتها الأساسية وأنها لن تستطيع توفيره بعد تنفيذ الخطة الاقتصادية التي تسعى "الحكومة" لتنفيذها الآن.
أما المفارقة الأكبر فهي أن الطبقة الوسطى كانت أهم منابر "دعم" السيسي والدعاية له، لكن ها هو يقضي على هذا "الدعم" بإجراءات قدمها على أنها ستثير السرور. فهل يعتبر انتهاء "دعم" هذه الطبقة له ودفاعها عن برنامجه مصدراً للسرور؟ ولمن؟
2. التراكم الغائب
يبدو أن الدولة رأت في ردود الأفعال الضعيفة تجاه الإجراءت السابقة لرفع أسعار الطاقة ما يعزز سهولة إمرارها ويشجعها على التمادي فيها. وهذا التقييم صحيح من ناحية الشكل؛ بالفعل لم تفرز الإجراءات السابقة ردود أفعال تتناسب مع المخاوف السابقة منها. لكن تأثيرها التراكمي على شعبية النظام وشرعيته مع الوقت كان واضحاً وكبيراً، لا يتجاهل حجمه إلا من لا يريد أن يراه ومن يفتقر للقدرة على متابعة الظواهر التراكمية.
كذلك يرجع أحد أهم أسباب تدني ردود الأفعال على رفع الأسعار وتقليل الدعم في الماضي إلى الخوف من بدائل السيسي. لكن الخوف منها تآكل مؤخراً وبدأت قطاعات اجتماعية لا تمانع من وصول بعضها إلى الحكم بسبب السياسات المذكورة.
وعليه، فالتعويل على أن هذه الإجراءات ستمر كما مرت الإجراءات السابقة هو موقف قصير النظر، يتجاهل فيما يتجاهله البعد التراكمي للحراك والغضب الشعبي واحتمالات اقترابه من مراحل الانهيار أو التحولات الكبرى. وبغض النظر عن حجم التأثير المباشر واللحظي للإجراءت التي بشرنا بها السيسي على استقرار النظام، لا يوجد شك في أن تأثيرها التراكمي سيكون عظيماً، وربما يؤدي إلى بلورة أنواع من الفعل السياسي تقع خارج توقعات النظام والأعراف والثوابت السياسية الجارية. فالتراكم الحثيث هو جوهر ديناميكيات التطور السياسي والتحولات الكبرى، وهو غير معني بمجريات حدث واحد أو اثنين.
فهل درست مؤسسات الدولة إلى أين يتجه تراكم الوعي السياسي الجمعي الآن؟ وهل تتابع ما طرأ عليه من تحولات على مدار السنوات الثلاث الماضية (والشواهد عليها متواترة)؟ وهل وجدوا فيها ما يبعث على السرور؟
3. البعد المادي كارثي
تمثل رؤية السيسي لنفسه وشرعيته وقدرته على رصد ما يحدث من تحولات في الوعي السياسي الجمعي والتصدي لها إحدى إشكاليات الخطاب، وربما لا تكون أهمها. فالخطاب المذكور يتعلق أيضاً بإشكاليات مادية كثيرة في غاية الأهمية.
مثلاً، تطرق السيسي إلى أزمة الدولار فقال "بكل صراحة تحوّل الدولار خلال الأعوام الخمسة الماضية إلى سلعة تجارية، حيث فضل البعض الاحتفاظ به،" مبشراً، مرة أخرى، بإجراءات تقضي على هذا السلوك دون أن يحددها، لكنه أكد أن "بكره بإذن الله الناس تذهب إلى البنوك لفك الدولار" بسعر موحد.
نرى في هذا التصريح رئيس الجمهورية يعلن اكتشافه الآن لإحدى خصائص الدولار (تحوله إلى ملجأ لحفظ قيمة المدخرات ومجال للاستثمار) التي يجري مناقشتها بشكل دوري في الإعلام منذ سنوات. من هنا يحمل هذا التصريح ما يثير القلق بشأن قدرته على حل مشكلة الدولار. أما إذا تعاملنا مع التصريح من منطلق أنه تعبير شكلي لتقديم الإجراءات الجديدة ولا يجوز الاشتباك معه بشكل حرفي، وأن السيسي، كرئيس للجمهورية، لابد وأنه يعلم جيداً وظيفة الدولار المذكورة، فسنجد فيه ما يثير القلق من تقييم الرئيس لقدرات الشعب ومستوى وعيه. لكن في كل الأحوال لن نجد فيه ما يثير السرور.
في النهاية لم يحدد الرئيس الطريقة التي سيتعامل بها مع هذه المشكلة بشكل مباشر لكنه لمح إلى توجه الحكومة لخفض قيمة الجنية بشكل كبير. أصبحت هذه الخطة معروفة وتأكدت كثر من مرة مؤخراً مع تواتر الأخبار الخاصة بالمفاوضات مع صندوق النقد، وشروط قرضه، وموقف الحكومة منها.
لا نعلم بشكل دقيق النسبة التي ستخفض بها الحكومة الجنية لكن جريدة الشروق كانت ذكرت أن الحكومة تنوي خفض الجنيه بنسبة35 ٪. ويظن النظام على ما يبدو أن هذا كفيل بدفع الناس لـ"لفك" دولارتهم بعد ارتفاع سعره الرسمي على هذا النحو، على الرغم من أن الحكومة خفضت الجنيه بنسبة ١٥٪ في أول العام وتسبب ذلك في حدوث العكس: اشترت الناس الدولار بدلاً من أن تبيعه. ولا يبدو أن النظام بلور خطة بديلة للتعامل مع تبعات إحجام الناس عن تبديل الدولارات التي بحوزتهم بعد رفع سعرها الرسمي إذا ما حدث ذلك.
لخفض قيمة الجنيه بنسبة 35٪، إذا صحت جريدة الشروق، تبعات كارثية أخرى، منها أن انهيار العملة المحلية بهذا الشكل سوف يؤدي إلى حرق نسبة كبيرة من قيمة المدخرات (والديون) المحلية بين ليلة وضحاها. وسيمثل ذلك كارثة لأصحاب هذه المدخرات، خاصة من يعتمدون على ريعها في توفير احتياجاتهم اليومية. وبعد إضافة ما سوف يحترق من قيمة مدخراتهم بعد رفع الأسعار بسبب ضريبة القيمة المضافة ورفع دعم المحروقات ورفع أسعار الخدمات الأساسية، سنكتشف أن من يعتمدون على ريع مدخراتهم سيواجهون قريباً كارثة كبرى. أما الموظفون منهم فسيتعرضون بالإضافة إلى كل ذلك إلى تضييق نمو دخلهم وإقالة عدد كبير منهم بعد تطبيق قانون الخدمة المدنية.
كما يمكن أن يؤدي تخفيض العملة بنسبة كهذه، إذا توقف الخفض عندها ولم يتبع منطق مغاير، مع الإكثار في الاستدانة من الخارج إلى رفع حمل صيانة الدين الخارجي بما يفوق ما سيتم توفيره من رفع الدعم.
ولنا أن نتساءل كيف ستصون الدولة ديناً يصل إلى 100مليار دولار (21 مليار قروض وسندات جديدة + 25 مليار لمشروع الضبعة + الدين الخارجي الجاري الذي وصل إلى 53.4مليار في مارس الماضي = 100 مليار دولار) بالعملة الصعبة؟ ستصل قيمة هذا الدين إلى ترليون و200 مليار جنيه بالأسعار الجديدة إذا صح تقدير الشروق عن نسبة خفض الجنيه (حوالي ثلث الناتج القومي). وإذا حظت مصر بشروط تسديد رحبة فسيتم تسديده في المتوسط على عشر سنوات في أفضل تقدير، وهو ما يعادل رد ١٠ مليار دولار من أصل الدين سنوياً في المتوسط. من أين ستأتي بهم الدولة بعد صرف كل هذه الأموال على بنود غير منتجه؟
على نفس المنوال، ستواجه الدولة حملاً كبيراً لدعم المحروقات بعد زيادة سعر الدولار بـ 50٪ تقريباً (منذ أول العام حتى بعد الخفض القادم). على سبيل المثال تبيع الحكومة لتر السولار "بسعر 180 قرشًا بينما تبلغ تكلفته الحقيقية وفقًا للأسعار العالمية ٤ جنيهات" طبقاً لوزير البترول، وهو ما يعني أن الدولة تدعم لتر السولار بـ220 قرشاً. عندما تخفض الدولة قيمة الجنيه بنسبة 50٪ سيرتفع سعر اللتر وفقاً للأسعار العالمية من 4 جنيهات إلى 6 جنيه، وهو ما يعني زيادة الدعم على لتر السولار من 220 قرشاً إلى 420 قرشاً. هل ستبدأ في رفع الدعم على الطاقة من الأول كما لو كانت لم تخفضه من قبل؟
4. اتباع أسوأ جدول ممكن للخصخصة
يستتبع حرق المدخرات المحلية بالنسب المذكورة خفض قدرتها على شراء، على سبيل المثال، التكنولوجيا والمعدات من الخارج. وسوف يؤدي ذلك إلى رهن النمو الاقتصادي في مصر بتدفق الاستثمارات الأجنبية مع رفع قدرة المستثمر الأجنبي-الخليجي على شراء الأصول المحلية بأسعار أقل من السعر الذي كان سيدفعه فيها قبل تخفيض العملة. من البديهي أن ذلك سوف يزيد من قسوة توزيع الدخل في البلاد وتبعيتها للخارج واعتمادها عليه.
هنا وجب التساؤل، هل استعدت الدولة لمواجهة تبعات بيع بعض البنوك المتبقية (قائمة الخصخصة الجديدة تشمل بالأساس بنكين) إلى مستثمرين أجانب (غالباً من الخليج) بعد خفض قيمتهما بهذا الشكل؟ من المعروف أن قيمة البنوك تحدد بناء على ما لديها من مدخرات وما تملكه من قروض، بالإضافة إلى استثماراتها في الشركات، لكن البند الأخير لايمثل أغلبية أصول البنك (التي تمثل الأموال أغلبيتها). وبما أن معظم هذه الأصول بالعملة المحلية فستنخفض قيمتها بالنسبة للدولار بنفس خفض قيمة الجنيه، ما سيخفض بالتبعية قيمة هذه البنوك. يبدو في هذا السياق قرار الدولة خصخصة هذه البنوك فقط بعد خفض قيمتهم بالعملة الصعبة قراراً معيباً للغاية، ولا يتسق إطلاقاً مع ما احتياجات دولة تعاني من مشكلة سيولة كبيرة مثل مصر. لماذا لم يتم خصخصة هذه البنوك أولاً؟ (بغض النظر عن موقفنا من الخصخصة).
تعتبر شركات البترول من الشركات المرشحة أيضاً للخصخصة، طبقاً لوزيرة الاستثمار. وهذه الشركات وإن كانت قادرة على معادلة قيمتها السوقية بعد خفض قيمة العملة بقدر ما-لأن أصولها تتكون بالأساس من أصول مادية وحقوق احتكار- إلا أن حجمها بعد زيادة سعرها بالعملة المحلية سوف يفوق قدرات رأس المال المحلي بعد حرق المدخرات المحلية على النحو المذكور أعلاه. في الوقت ذاته ستنخفض قيمتها العالمية في ظل تدني الطلب على الاستثمارات في قطاع البترول بعد عزوف رأس المال العالمي عن الاستثمار فيه بسبب أزمته الحالية. لماذا إذن لا يتم تأجيل خصخصتها إلى ما بعد انتهاء أزمة القطاع؟ (مرة أخرى، بغض النظر عن موقفنا من الخصخصة).
يبدو في ضؤ هذه المعطيات أن الدولة قررت أن تتبنى أسوأ برنامج خصخصة ممكن لأسباب لا نعلمها، ولا يوجد في ذلك أي شيء يبعث على السرور.
5. فقدان القدرة على التحكم الكامل
من المعروف أيضاً أن صندوق النقد اشترط في جولة المفاوضات السابقة أن يتم إنشاء وحدة مراقبة له داخل وزارة المالية. ويماثل ذلك الشرط الروسي بإنشاء وحدات مراقبة روسية داخل المطارات من أجل إعادة السياحة الروسية إلى مصر.
هل ستكون لدى النظام القدرة على إدارة كل هذه الملفات الشائكة في ظل وجود مكاتب أجنبية تشرف على أدائه وتتدخل في سياساته بشكل دوري؟ هل قدر النظام تبعات هذا الإشراف المباشر؟ أم أن شروط القرض الجديد لا تستوجب مثل هذا الإشراف؟ هل سمع النظام عن رجل اسمه "كرومر"؟ هل درسوا آليات الاستعمار البريطاني لمصر وارتباطه بأداء الدولة المالي؟ أدعو القائمين على المباحثات مع صندوق النقد إلى البحث في سيرة "اللورد كرومر" ليتعرفوا على طبيعة الشروط التي يوافقون عليها الآن.
6. ضبط الأسعار كم ضبطت في الماضي
لم ينسَ السيسي أن يطمئن الناس أن القوات المسلحة تتدخل لضبط الأسعار وتحقيق الأمن الحيوي للمستهلك المصري. فهي تتدخل عندما ترتفع أسعار سلعة ما عن طريق طرح كميات من هذه السلعة لخفض سعرها. ذكرتني محاولة السيسي لطمأنة الشعب بهذه الطريقة بالتصريح الذي أكد فيه أن القوات المسلحة ستتدخل لخفض الأسعار بنهاية الشهر الحالى.
كان ذلك في نوفمبر2015 وكلنا نعلم ما حدث بعدها.
7. الاعتماد على ثقة ميتافيزيقية
ركز السيسي طوال خطابه على ضرورة أن يثق الشعب في "الحكومة" لكي تتم هذه الإجراءات بسلاسة. لكنه لم يحدد أسباب ثقة الشعب فيها. يلاحظ في هذا السياق أن الثقة التي طلبها السيسي لا تستوجب مناقشة ما حدث في "جهاز الكفتة،" أو مشروع قناة السويس، أو مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، أو البطش غير المسبوق بالسياسيين، أو القبضة الحديدية على الإعلام، أو مأساة تيران وصنافير، أو تضخم عدد المساجين في قضايا سياسية والتنكيل بهم، أو إقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لأنه بالغ في
تقدير حجم الفساد، أو السلام الدافئ مع إسرائيل، إلى آخر ذلك.
ما يطلبه السيسي هو نوع جديد من الثقة لا يستوجب مناقشة أو حتى ذكر أي من الموضوعات والمشروعات السابقة ويستوجب في المقابل أن تؤمن الناس لسبب ميتافيزيقي ما أن الإجراءات التي أعلن السيسي عنها لن تلقى نفس مصير المشروعات سالفة الذكر. وما أن يؤمنوا بذلك عليهم أن يثقوا في إجراءات سترفع الأسعار وتحرق مدخراتهم.أين نجد هذا النوع من الثقة التامة؟
8. طلب ثقة تامة يعتمد على مراوغة مكشوفة
طلب السيسي أن تثق الناس في الحكومة على النحو السابق في خطاب قال فيه "المحليات مليئة بالفساد لكن هنعمل إيه؟" ونسي وهو يقول ذلك أن نظامه عزل رئيس أكبر هيئة رقابية وحاكمة نكل به لأنه "بالغ في الفساد"؟ وقدم التمهيد المذكور للإجراءات التي تنوي الحكومة تنفيذها ومهد لتأثيرها "القاسي" المتوقع على الناس على هامش حوار في جلسة من جلسات البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة. وكان السيسي قد وظف حضوره لاجتماع آخر لشباب هذا المجلس من قبل (اجتماع جبل الجلالة) لإدارة حملته ضد الحراك المناهض لاتفاقية تيران وصنافير في جمعة الأرض. فخرجت الأخبار يومها تحمل صوراً له مع هذه المجموعة على البلاج بالتزامن مع صور مظاهرات جمعة الأرض واعتقال نشطائها.
سوف يلاحظ أي متابع للشؤن الجارية أن السيسي يتبنى استراتيجية الحديث غير المباشر دائما في الأحداث الجلل. أوصلته هذه الاستراتيجية إلى تقديم "مبادرة" لـ"تدفئة السلام" بين العرب وإسرائيل، على هامش الاحتفال بافتتاح محطة كهرباء.
يكشف ذلك بعداً جديداً لطلب الثقة الذي تقدم به السيسي: هو يطلب ثقة تامة من جانب، في إطار بني من الجانب الآخر على مراوغات مكشوفة للكل. وبذلك خرجت تصرفات السيسي كما لو كان يعلم أن الناس تعلم أن الثقة التي يطلبها لا تهمه بشكل حقيقي، لأنها ليست مصدر حكمه. كانت هذه السياسة تفيد السيسي في الماضي، أما الآن فقد تآكلت مع تآكل دعم الطبقة التي تحتاجها: الطبقة الوسطى.
في النهاية، أظن أنه لا يوجد في الإجراءت القادمة ما سوف يسر أحد، بما في ذلك السيسي نفسه. هي إجراءت وخطط اقتصادية ستجلب التعاسة على الكل، فقط لا غير. ولن يعفي الأسلوب الملتوي في تقديمها السيسي من تحمل المسؤولية الكاملة عن تبعاتها وما ستلحقه بالناس. وأظن أن كافة ملابسات هذا الخطاب وطريقة تقديمه والمصطلحات التي تضمنها تشير أكثر من مرة إلى أن السيسي يعلم جيداً أن هذه الإجراءات ستجلب التعاسة على الجميع ويبدو للمتابع كما لو كان يعلم ان الجمهور يعلم أنه يعلم أنه ستجلب التعاسة للجميع.
نقلت تصريحات السيسي في المؤتمر المذكور عن الرئيس من تغطية جريدة المصري اليوم: إجراءات «صعبة».. وأخبار جيدة خلال أيام وتغطية جريدة الوطن: السيسي لشباب "البرنامج الرئاسي": "الناس اللي مخزنة الدولار هتجري بكرة على البنوك تفكه".